مسلسل يوسف الصديق ... المسلسلات وصناعة الوعي الزائف

نزلت في ٢٢‏/١٢‏/٢٠٢٣

مسلسل يوسف الصديق ... المسلسلات وصناعة الوعي الزائف

كلنا شوفنا المسلسل الإيراني "يوسف الصديق" لما كنا صغيرين وكانت البيوت بتقعد تستناه وبتعتبره مسلسل تاريخي بينقل أحداث تاريخية صحيحة ممكن الاستدلال بيها اعتقاداً منهم أنه مسلسل دقيق تاريخياً وموثوق بينقل أحداث تاريخية حصلت بالفعل

النهاردة بسبب المسلسل دة و الأحداث الخيالية اللي، فيه ملايين في مصر والشرق الأوسط مؤمنين إيمان قاطع أنه الملك إخناتون كان موحد مؤمن بالإسلام وألغى الإعتقاد المصري القديم وكان عنده وزير كنعاني إسمه النبي يوسف وسماه أُوزرسيف وعينه في منصب عزيز مصر.

التاريخ وفق الأدلة الأثرية الملموسة ونقل المؤرخين

الأدلة الأثرية الملموسة والمكتوبة اللي اكتشفناها في تل العمارنة (عاصمة إخناتون) و في رسائل العمارنة بين مصر والدول المجاورة بتحكي الآتي:

حكم مصر ملك اسمه أمنحوتب الرابع و في العام الخامس من الحُكم غير إسمه لإخناتون واعتمد عبادة آتون واعتبره المعبود الوحيد المستحق للعبادة لكن بدون إلغاء الأديان أو المعبودات الأخرى والاعتراف بأنها صحيحة وعشان كدة علماء المصريات زي جورج هارت و رونالد ريدلي صرحوا أنه إخناتون كان أحادي مش موحد زي الإسلام.

أحادي معناها الإيمان بوجود آلهة أو معبودات أخرى لكنك مؤمن أنه واحد بس فيهم المستحق للعبادة وباقي المعبودات موجودة آه بس كلها تحته فلا تستحق العبادة.

إخناتون وفق الأدلة الأثرية لم يمنع أو يجرم عبادة أي معبودات تانية زي إيزيس أو رع لكنه اعتبر آتون الوحيد المستحق للعبادة.. و دة عكس رواية المسلسل تماماً اللي بيقول أنه ألغى كل المعبودات باستثناء الله الواحد الأحد الموجود في الإسلام و اللي هو سماه آتون.

لكن هل "آتون" هو الله الموجود في الإسلام أصلاً زي ما المسلسل بيزعم؟ الإجابة قطعاً لأ. كلمة آتون أصلاً في اللغة المصرية معناها الكُرة أو الشئ الدائري أو القرص.. و ببساطة إخناتون عبد قرص الشمس و اعتبر الشمس هي مصدر الحياة والمعبود الواحد الأحد.. وهو الله شمس في الإسلام؟

ثانياً عبادة آتون كانت موجودة من قبل إخناتون يعني مش اختراع إخناتون و موجود من عصر الأسرة الثانية عشر على الأقل في قصة سنوحي .. كل اللي إخناتون عمله أنه اهتم جداً به بعد ما كان مش منتشر بين الناس.

كمان لما نقرا ترنيمة آتون الشهيرة هنلاقيها بتقول الآتي:

qoute

"تظهر في أفق السماء أيها الشمس الحية، الذي يقدر الحياة، تشرق في الأفق الشرقي في الصباح وتملأ كل البلاد بجمالك، أنت جميل وعظيم ومشرق الآن فوق جميع البلدان، وأشعتك تملك كل البلاد حتى آخر كل ما خلقت.

أنت رع عندما تصل إلى حدودهم وتجعلهم يركعون لإبنك المحبوب. أنت بعيد ولكن أشعتك تصل إلى الأرض، وإنك في وجوههم، ولكن مسارك مجهول. عندما تغرب تحت الأفق الغربي يبقى العالم في ظلام، في حالة كالموت."

إشارة واضحة وصريحة لعبادة قرص الشمس.. مال الله بالموضوع؟ الربط بين آتون والله هو جزء من موجة فكرية غريبة ظهرت آخر 40 سنة بتحاول تعمل "دروشة" للتاريخ المصري عن طريق الربط بالعافية بين شخصيات مذكورة في الكتب الدينية مع شخصيات في التاريخ المصري..

ادريس هو اوزوريس وفرعون موسى هو رمسيس و يويا هو يوسف والأهرامات بناها قوم عاد والمسلات كانت الأبراج اللي آدم نزل بيها للأرض وغيرها من الإدعاءات اللي لا تمت للتاريخ القائم على الدليل الأثري المادي الملموس ولا حتى تمت لأي نصوص دينية بأي صِلة.

باختصار إخناتون مكانش موحد ولا مؤمن بالله ولا ألغى كل المعبودات إلا آتون و آتون مش الله إنما هو قرص الشمس زي ماهو واضح من النقوش اللي من عهد إخناتون و من الترنيمة الشهيرة بتاعته و أي إدعاء واهي وخرافة لا تمت لأي مصدر تاريخي بأي صِلة.

qoute

ولا حتى تمت للنصوص الدينية اللي لم تذكر بتاتاً شخص إسمه إخناتون أو أن الله في عصر من العصور كان شمس بتشرق وتغرب و بتحتاج للراحة زي ما هو مذكور في الترنيمة الآتونية.

ثاني موضوع رئيسي هو أنه لم يذكر أي مصدر تاريخي مُطلقاً شخص اسمه يوسف عايش أيام إخناتون في البلاط الملكي أو من عامة الشعب و لا يوجد على الإدعاء دة أي أدلة أثرية مُكتشفة و دة ملهوش علاقة أبداً بالإيمان بالنبي يوسف و مش من شروط الإيمان به أنك تقول أنه كان عايش في مصر أيام إخناتون.

qoute

كمان في عصر إخناتون الوزير الأول كان مصري الأصل إسمه نخت-با-آتون في حين المسلسل بيقول أنه كان النبي يوسف صاحب الأصل الكنعاني.

حتى القصة الدينية المحكية في القرآن مش بتقول أنه كان عايش في مصر زمن إخناتون أو أن يوسف دعا لعبادة آتون زي ما إخناتون عمل.. فعلى على أي أساس المسلسل دة قال أنه يوسف كان وزير عند إخناتون؟

كل دي خرافات لا تمت للدين أو عِلم التأريخ بأي صِلة و لا ترقى حتى لتسميتها نظريات لأن النظرية يوجد عليها أدلة ممكن قياسها علمياً زي النقوش والآثار.

كل اللي حكيناه دة و لسة مدخلناش في الأخطاء الفجة اللي حصلت في المسلسل زي انه اخناتون (اللي المفروض بقى بيعبد الله حسب المسلسل) لابس تاج أوزير (اوزوريس)، ازاي وهو مش مؤمن بيه؟

المسلسلات وصناعة الوعي

لا شك أنه صناعة السينما والفن بتلعب دور كبير جداً في بناء شخصية ووعي الشعوب، ولكنه سلاح ذو حدين. زي ما أقدر أعمل إنتاج فني إيجابي ممكن أعمل مسلسلات وأفلام مليئة بالتدليس والتزوير التاريخي اعتماداً على أن معظم الناس بتعتمد الأحداث في المسلسلات التاريخية على أنها حقيقة وحصلت فعلاً.

المسلسل دة هو مثال بسيط على أعمال فنية كتير المفروض أنها تاريخية لكنها أبعد ما يكون عن التاريخ وبتستغل الدين شر استغلال لإقناع الناس بالأحداث اللي من وحي خيال المؤلف وتصديقها على أنها حقيقة.

ختاماً

حكايتنا محدش هيحكيها غيرنا.. تاربخنا مينفعش يصوغه غيرنا و إلا هيكون مطمع لكل اللي عايز يوظف تاريخنا لمصلحته. كل الدنيا بتحكي تاريخها بنفسها، ألم يأن للمصريين أنهم يحكوا تاريخهم بنفسهم؟

شير المقالة عن طريق

تاجات

يوسف الصديقمسلسل يوسف الصديق

اقرا كمان